كانت تبكي من قلة حيلتها، وكانت دموعها المنهمرة ترجمة دقيقة لحالة إنسانية تعاني من غدر الأيام، وتعيش حياة قاتمة في أحد مخيمات النازحين المكتظة، فيما خياراتها تنفد في بيئة صعبة للغاية، وحاجتها إلى مساحة آمنة تشتد في ظل ظروف محفوفة بالمخاطر.
إنها النازحة (أ . ل) البالغة من العمر 35 عاما، وتم ترميز اسمها في هذه القصة لحماية هويتها، وهي أم لطفلتين، وقد عاشت تجربة قاسية جدا، ورغم المعاناة التي لاقتها إلا أنها وصلت إلى النور في نهاية النفق بفضل الوصول الإنساني، وهذه بعض فصول مأساتها ونجاحها.
مأساة النزوح والعنف
بسبب الصراع المستمر في اليمن، اضطرت (أ . ل) للنزوح مع زوجها بحثا عن ملاذ آمن، واستقر بهما المقام في مخيم الجفينة في محافظة مأرب، التي تحتضن الملايين من النازحين الذين يكابدون حياة قاسية، مع تزايد الاحتياجات للمساعدة الإنسانية المنقذة للحياة والحماية، والفئات الأكثر تضررا هم النساء والأطفال.
ولم تكن معاناتها مقتصرة على الحرارة الشديدة في الصحراء، والعيش في مخيمات مزدحمة وبائسة، والافتقار لأبسط الاحتياجات المعيشية الضرورية اليومية، وأخرى جلبها النزوح، بل أضيفت لها معاناة إضافية تتمثل في عنف زوجها، والعنف القائم على النوع الاجتماعي منتشر على نطاق واسع، فيما يفلت الجناة من العقاب.
فحاولت (أ . ل) التحمل خوفا على مستقبل طفلتيهما، لكن عنف زوجها تزايد، فلجأت إلى إبلاغ أهلها وكانت صدمتها عدم تفاعلهم ونصحوها بالصبر كونها نازحة ويجب عليها تحمل المعاناة ريثما تنفرج الأزمة الإنسانية وتنتهي أزمة النزوح.
ولأن الزوج تمادى أكثر فلم يكن أمامها من خيار سوى تحطيم القيود، والانتقال للعيش مع إحدى قريباتها، واللجوء إلى القضاء لطلب الطلاق والحضانة لطفلتيها، واضطرت أن تخوض هذه المعركة مجردة من عناصر القوة حتى وصلها العون الإنساني عبر مشروع الحماية ودعم سبل العيش "المساحة الآمنة للنساء والفتيات" الذي تنفذه الوصول الإنساني، بتمويل من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA.
استعادة الثقة بالنفس
وفي خضم المعركة القاسية التي تخوضها، كانت المساحة الآمنة للنساء والفتيات تنفذ جلسة توعية في مخيم الجفينة، وكانت (أ . ل) إحدى الحاضرات، فخطرت على بالها فكرة ممتازة جدا وهي اللجوء إلى هذه المساحة لعلها تجد الدعم والحماية، فهي نازحة ضعيفة ولا تريد العيش مع عائلات مضيفة مثقلة بالأعباء.
وبالفعل وصلت إلى المساحة الآمنة وهي تبكي من جور الزمن وتقول: "كرهت الحياة، حتى أهلي لم ينتصروا لي، لا أعرف ما أفعل، ولا أدري كيف سأعيش"، وهنا ابتدأت مرحلة التعافي، وأولى فصولها تمثل في الدعم النفسي كون المرأة تعاني من صدمة شديدة، ويجب دعمها نفسيا لتتمكن من مواصلة الحياة.
وبعد ذلك جرى تقديم الدعم القانوني، فلا تزال الكثير من النساء غير قادرات على معرفة حقوقهن الأساسية والمشروعة، ومنها المتعلقة بقضايا الخلع والحضانة، ولأن التمكين الاقتصادي هو الطريقة الأنجح لمساعدتها على الاستقلال المالي وبناء حياة جديدة فقد تم تمكينها في مجال الخياطة بعد تأهيلها في هذه المهنة الحرفية ومنحها المستلزمات الأساسية لمزاولتها والانخراط في سوق العمل.
وأصبحت (أ . ل) معتمدة على ذاتها وتكسب الرزق من خلال مهنتها الحرفية لتأمين احتياجات طفلتيها، وأخبرتنا أن هذا الدعم أكسبها القوة قائلة "شعرت بالكرامة، وضعي مختلف الآن عن ذي قبل، استعدت ثقتي بنفسي، وأصبحت قادرة على إكمال حياتي"، وهي ممتنة للوصول الإنساني وصندوق الأمم المتحدة للسكان على المساحة الآمنة التي شكلت بالفعل ملاذا آمنا للكثير من النساء والفتيات الضعيفات.