لم تنعم (ب . س) بحياة زوجية سعيدة طويلة كما كانت تأمل، فمن سوء الحظ أصيب زوجها بانزلاق في العمود الفقري، وأصبح عاجزا عن العمل، لتبدأ مرحلة مؤلمة للغاية في حياة هذه المرأة، البالغة من العمر 28 عاما، وتم ترميز اسمها في هذه القصة لدواعي الخصوصية والحماية.
واقع لا تغشاه بارقة أمل
كان لمرض الزوج وعجزه عن كسب الرزق انعكاسات على صحته النفسية، وأصبح يفرغ جام غضبه على أسرته، وساءت معاملته لشريكة حياته وأم أولاده الأربعة، وكثيرا ما تساهم الضغوطات الاقتصادية في تصدع مؤسسة الأسرة وتحويلها إلى فضاء العنف.
وحينها اقترح أقارب (ب . س) عليها أن تترك زوجها وأطفالها، والانتقال بمفردها للعيش معهم نظرا لظروفهم المعيشية الصعبة، وعدم قدرتهم على تحمل أعباء إضافية، وبالفعل حول الصراع المدمر في اليمن فئات واسعة من المجتمع إلى فقراء يعيشون بالحد الأدنى من الأساسيات.
لكن غريزة الأمومة لم تقبل بهذا العرض من أقاربها، وآثرت حياة المعاناة والتضحية بنفسها من أجل أطفالها الصغار، رغم قساوة العيش والشريك، وواجهت ضغوطا شديدة في سبيل توفير أبسط احتياجاتها المعيشية، فتبرعات أهل الخير تأتي أحيانا، وأحيانا كثيرة لا تأتي.
ولمقاومة الظروف الصعبة، قررت (ب . س) البحث عن عمل حيث مقر إقامتها في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت، للحصول على مصدر دخل مناسب يجنبها وأطفالها شر الفقر والجوع والمرض، لكن محاولاتها لم تنجح في بلد يعاني من نسب بطالة مرتفعة، وفرص العمالة غير الماهرة ضئيلة جدا.
وفي واقع كهذا لا تغشاه بارقة أمل، سطعت أنوار الفجر وسط صحراء اليأس، عندما أبلغتها إحدى صديقاتها عن خدمات المساحة الآمنة للنساء والفتيات، والتي تديرها الوصول الإنساني في وادي حضرموت، ضمن مشروع الحماية ودعم سبل العيش، بتمويل من صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA، بهدف التصدي للتحديات التي تواجهها المرأة المستضعفة.
شعور بالأمان والحماية
زارت (ب . س) المساحة الآمنة بحثا عن أمل بمستقبل أفضل، وهناك عرضت مأساتها الإنسانية بتفاصيلها المؤلمة على رسل الإنسانية الذين يتطلع إليهم اليائسون في وقت الحاجة، وكانت عينيها لا تتوقف عن الدموع قائلة: "أعيش في قلق وتوتر نفسي طوال اليوم".
وفورا بدأت عملية إدارة الحالة، بإحالتها للأخصائية النفسية أولا لتخفيف الصدمات النفسية التي تعاني منها، وبعد ذلك جرى إلحاقها ببرنامج تدريب مهني في مجال الكوافير وفن التجميل، لبناء قدرتها على الصمود وإنقاذها وعائلتها من براثن الفقر والجوع.
فاكتسبت المرأة مهارات هذه المهنة الحرفية وأتقنتها، ليتم تمكينها بمستلزمات هذه المهنة لاحقا، للانطلاق في سوق العمل وكسب الرزق، وأخيرا استطاعت تحقيق حلمها بالحصول على مصدر مدر للدخل يساهم في تحسين مستوى معيشتها وأطفالها، ويمكنها من الاعتماد على الذات، ومواجهة الكثير من الأزمات الاقتصادية، وتعليم أولادها.
وهنا فقط ابتدأت مرحلة جديدة لهذه الأسرة، حيث صارت (ب . س) تعمل بشغف في مجال الكوافير، وتتابع كل جديد، وتستقطب الكثير من العملاء لجودة وروعة أدائها، وها هي تصف هذا العهد الجديد بالقول: "أشعر الآن بالأمان، أصبحت قادرة على الاعتماد على نفسي لتلبية متطلبات أسرتي الضرورية"، وتشعر بالامتنان لمشروع الحماية ودعم سبل العيش، الذي انتشلها من واقع مرير، وساعدها للوصول إلى عالم أفضل.