يشاهد بعينه ذبول جسم طفله المريض، ويتألم بصمت، لعجزه عن إنقاذ حياته، ويعيش حالة قلق دائم، وقد استبد به اليأس والخوف، بانتظار أن يلفظ طفله أنفاسه الأخيرة أمام عينيه.

كان هذا حال "مشير أمين"، الذي يسكن في أحد أحياء مديرية "المظفر"، في مدينة تعز، فهو يعمل في تنظيف السيارات، مقابل أجر زهيد، بالكاد يغطي الحد الأدنى من لقمة العيش لأسرته. وجسم طفله "لؤي"، البالغ من العمر عامين، يذبل مع مرور الأيام، والحصول على الرعاية الصحية تحدي كبير، ويحتاج لمن يرفع عنه هذه المعاناة، التي يرزح تحتها.

وفي لحظة، انغلق باب الجحيم، وانفتح باب الأمل، في وجه "مشير"، فأرتد فرحا عندما أخبره جاره، بأن إنهاء معاناة طفله "لؤي"، ممكنة جدا، فقط عليه التوجه الآن إلى مركز الوفاء الصحي، وسيحصل على الخدمات الطبية مجانا. وهذا ما حدث، إذ هرع "مشير"، إلى المركز، يلتمس المساعدة الطارئة لإنقاذ حياة طفله الهزيل، فوجد أمامه مشروع تعزيز خدمات التغذية والصحة المتعددة والمتكاملة والمستدامة "صحة الأم والطفل"، والذي يعرف بمشروع (مسك).

وبفضل هذا المشروع، الذي تنفذه الوصول الإنساني، بدعم من منظمة أطباء حول العالم التركية (DWWT)، حصل "لؤي"، على الدواء اللازم، والمكملات الغذائية، التي أنقذته من سوء التغذية الحاد والمميت.

وبعد أشهر من العلاج والغذاء، والمتابعة المنزلية، أصبح "لؤي"، يلعب ويمرح كأقرانه، ووالديه ينظران إليه بإعجاب، إذ لم يكونا يتوقعان أن فلذة كبدهما، سيزهر من جديد، ويدخل مرحلة جديدة وجيدة في الحياة.

11381 طفل وامرأة استفادوا خلال شهرين

صحة الأم والطفل تعد ركنا أساسيا في النظام الصحي، ومنذ تصاعد الصراع في اليمن، عام 2015، ازداد سوء التغذية الحاد بين صغار الأطفال والأمهات، وهناك 2.9 ملايين طفل وامرأة، مهددون بأمراض سوء التغذية، وفق تقديرات أممية.

ومن بين المحافظات الأكثر تضررا تعز، في ظل نظام صحي على وشك الانهيار، وأزمات متواصلة تواصل تهديد الصحة والتغذية للأطفال والأمهات، وباتت الأهمية حاسمة للتدخلات العاجلة لتقديم خدمات التغذية الصحي، للأسر الأشد ضعفا. ولهذا السبب جاء مشروع تعزيز خدمات التغذية والصحة المتعددة والمتكاملة والمستدامة "صحة الأم والطفل"، المعروف بمشروع (مسك) للمرحلة الثالثة، الذي تنفذه الوصول الإنساني، بدعم من منظمة أطباء حول العالم التركية (DWWT).

المشروع بدأ تنفيذه في أغسطس 2022، وسينتهي في يناير 2023 للمرحلة الثالثة، ويقدم خدماته من خلال مركز الوفاء الصحي، في مديرية "المظفر"، بمحافظة تعز، فدعم وتشغيل مرفق صحي في اليمن، مهم للغاية، إذ يعمل أقل من نصف المرافق الصحية بكامل طاقتها، بحسب الأمم المتحدة.

ويوفر المشروع التدخلات التغذوية الطارئة المنقذة لحياة الأطفال دون سن الخامسة، والنساء الحوامل والمرضعات، بالإضافة إلى تحسين حالة خدمات الصحة العامة بشكل عام، وصحة الأم والطفل بشكل خاص. وذلك بهدف المساهمة في الحد من الوفيات والأمراض المرتبطة بسوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة، والنساء الحوامل والمرضعات من خلال توسيع نطاق التدخلات الغذائية المنقذة للحياة عالية الجودة.

وكذلك زيادة الوعي بالوقاية من الأمراض ورعاية الأطفال والتغذية، والمساهمة في الحد من أمراض ووفيات الأمهات والأطفال، من خلال توفير خدمات الصحة الإنجابية المنقذة للحياة للنساء. وقد استطاع المشروع حماية 11381 طفلا وامرأة، خلال شهرين فقط، وهذا العدد يشعر الجميع بالفخر بهذا المشروع وخدماته المتضمنة فحوصات الكشف عن سوء التغذية الحاد لدى الأطفال والأمهات، ومعالجتها.

وخدمات الصحة الإنجابية المتكاملة ورعاية الحوامل والتوليد، بالإضافة إلى خدمات الاستشارات الطبية، والمختبر والأشعة، والتحصين واللقاحات، والطوارئ، وخدمات التوعية والتثقيف الصحي، والمشورة حول تغذية الأطفال المثلى.

مخاطر سوء تغذية الأطفال والأمهات

يضر سوء التغذية بالنمو البدني والمعرفي للطفل، خاصة خلال العامين الأولين من حياته، وتبدأ الوقاية من سوء التغذية ومعالجة آثاره المدمرة بصحة الأم الجيدة، وتعتبر الأمراض وسوء البيئة الصحية من العوامل الرئيسية لسوء تغذية الأطفال.

كما أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، وكل طفل يعاني من سوء التغذية يعني أيضا أن أسرة تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة، بحسب المنظمات الأممية. ومن هنا تأتي أهمية مشروع تعزيز خدمات التغذية والصحة المتعددة والمتكاملة والمستدامة "صحة الأم والطفل"، الذي تنفذه الوصول الإنساني، في تعز، بدعم من منظمة أطباء حول العالم التركية (DWWT).

فسنوات من النزاع، وانهيار الاقتصاد، دفع الملايين إلى حافة الهاوية، مع ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي، وتعتبر اليمن من أخطر الأماكن في العالم لنمو الأطفال، ومعدل سوء التغذية بين النساء والأطفال من أعلى المعدلات في العالم.

وفي تصريح خاص، قال الدكتور عبد الواسع الواسعي، أمين عام الوصول الإنساني، إن مشروع "مسك"، استطاع أن يحدث فرقا في حياة الأطفال والأمهات المستفيدين، بسرعة، بفضل الدعم الكريم من (DWWT)، ويساهم في إنقاذ الكثير من الأرواح.

من جانبه، قال مدير عام الوصول الإنساني الأستاذ رياض محمد، في تصريح خاص، إن مشروع "مسك"، أحد أهم التدخلات الإنسانية، لمد يد العون إلى أكثر السكان ضعفا، ويرفع بعض المعاناة التي يرزح تحتها المدنيون في اليمن.