حوالي 19 مليون شخص - ستة من بين كل عشرة أشخاص- يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، في اليمن، في حين أن 3.5 مليون شخص يعانون من سوء التغذية الحاد، ويعد معدل سوء التغذية بين النساء والأطفال من بين أعلى المعدلات في العالم.
ومن المتوقع أن يسقط 1.6 مليون شخص إضافي في البلاد في مستويات طارئة من الجوع، ليرتفع المجموع إلى 7.3 مليون شخص بحلول نهاية العام الجاري 2022، وفقا لوكالات الأمم المتحدة.
وأظهر استطلاع أجراه برنامج الأغذية العالمي، في آخر تحديث له عن الأمن الغذائي في اليمن، وشمل عددا من الأسر من مختلف أنحاء البلاد، أن عدم كفاية الغذاء تجاوز مستويات عالية للغاية بلغت 40% في 19 محافظة يمنية.
وهي أرقام مفزعة، وتؤكد أن ثمة كارثة تلوح في الأفق، وقد اجتمعت العديد من العوامل الداخلية والخارجية، التي ساهمت في استمرار تدهور انعدام الأمن الغذائي، لتشكل خطرا على ملايين اليمنيين.
وهذا ما يؤكده ريتشارد راغان، ممثل برنامج الأغذية العالمي في اليمن، بالقول إن الوضع الغذائي في اليمن "كارثي". وبحسب غادة مضوي، القائمة بأعمال مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، خلال إحاطة قدمتها إلى مجلس الأمن الدولي، مؤخرا، فقد أصبح عدد أقل من الناس الآن قادرا على شراء الطعام.
ولا يوجد حل واحد لأزمة الغذاء في اليمن، لكن المشاريع الإنسانية، تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية، للفئات الأكثر ضعفا، وهو ما قامت به الوصول الإنساني، عبر مشروع الغذاء GFA، الممول من برنامج الأغذية العالمي WFP، واستطاعت تجنيب الكثير من الأشخاص خطر المجاعة، في بلد تواجه نسبة متزايدة من السكان مستويات طارئة من الجوع.
أزمات عديدة اجتمعت معا لتشكل خطرا على الملايين
اجتمعت مجموعة من العوامل، التي ساهمت في انعدام الأمن الغذائي في اليمن، وفي مقدمتها النزاع المستمر، للعام الثامن على التوالي، والذي يعتبر المحرك الأساسي للجوع، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية، التي أضعفت قدرة الناس على شراء ما يكفي من الغذاء.
ويظهر تقرير سابق للبنك الدولي، أن الاقتصاد اليمني تقلص بأكثر من النصف، منذ اندلاع الصراع، حيث يعيش أكثر من 80% من الناس الآن تحت خط الفقر، ويتجلى الانهيار بشكل كبير في فقدان الدخل، وانخفاض قيمة العملة المحلية.
ويشكل تغير المناخ تهديدا إضافيا للأمن الغذائي في اليمن، الذي يستورد 90% من غذائه، ويتوقع البنك الدولي، أن ينكمش الاقتصاد اليمني، على المدى المتوسط، بنسبة تصل إلى 24% بحلول عام 2050، بسبب تغير المناخ وتوسع بعض الظواهر مثل التصحر، وتأثير ذلك على سبل العيش، والأمن الغذائي.
ويأتي النزاع في أوكرانيا، منذ شهر فبراير الماضي، ليضيف ضربة أخرى للأمن الغذائي في اليمن، حيث أدت هذه الأزمة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، مما يشكل تحديا كبيرا لملايين من الأسر، التي تكافح بالفعل لتقف بعيدة عن الجوع.
ويعتمد اليمن بشكل خاص على الواردات المباشرة من القمح من روسيا وأوكرانيا، وهو من المواد الغذائية الأساسية في النظام الغذائي لليمنيين، وهو ما ينذر بكارثة غذائية يصعب مواجهتها وتلافي تداعياتها على اليمنيين.
وفي تصريح سابق، قالت كورين فلايشر، المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "نحن قلقون للغاية بشأن ملايين الأشخاص في هذه المنطقة الذين يكافحون بالفعل للحصول على ما يكفيهم من الغذاء نتيجة لعدة عوامل سامة اجتمعت معا وهي النزاع والتغير المناخي والأزمة الاقتصادية".
وقال ريتشارد راغان، ممثل برنامج الأغذية العالمي في اليمن: "كانت الحرب في أوكرانيا بمثابة الضربة القاضية لليمن الذي يعاني من نزاع طويل الأمد، والأزمة الاقتصادية المترتبة عليه، وتضاؤل الأموال المخصصة للاستجابة الإنسانية".
ويؤكد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، شو دونيو، أن الكثير من الأسر محرومة من احتياجات الغذاء الأساسية بسبب تداخل بعض العوامل، ويقول إن النزاعات وحالات التباطؤ والركود الناجمة عن الأزمات كانت وستظل المحركات الرئيسية لأزمات الغذاء، مما يسلط الضوء على أهمية تحقيق السلام ومعالجة أزمة المناخ وتعزيز القدرة على الصمود في كل مكان.
المساعدات المصدر الوحيد للغذاء لغالبية اليمنيين وسط تحديات
ابتليت اليمن بواحدة من أسوأ أزمات الغذاء في العالم، ووصلت قدرة الناس على الصمود لمرحلة حرجة، وأصبحت المساعدات الغذائية المصدر الوحيد للغذاء للملايين من اليمنيين.
ولهذا تواصل المنظمات الإنسانية، ومنها الوصول الإنساني، تقديم المساعدة في جميع أنحاء البلاد، وتضمن حصول 12.6 مليون شخص في المتوسط على المساعدات الإنسانية، شهريا، لكن هذه المنظمات، تعمل في بيئة صعبة للغاية.
فقد شهد هذا العام زيادة منذرة بالخطر فيما يتعلق بالهجمات ضد العاملين في مجال الإغاثة في اليمن، بحسب مكتب منسق الأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في اليمن.
ويمثل النقص الحاد في تمويل الاستجابة الإنسانية، أكبر تحد لجهود المنظمات الإنسانية، والمزيد من التخفيض في المساعدات قد يدفع الناس إلى المزيد من الجوع.
فمع نهاية يوليو الماضي، تلقت خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2022، مبلغ 1.24 مليار دولار، أو 29% من المبلغ المطلوب البالغ 4.27 مليار دولار، لتوفير المساعدات الإنسانية المنقذة للأرواح وخدمات الحماية لـ 17.9 مليون شخص.
65679 أسرة استفادت من مشروع الغذاء GFA في لحج وتعز
الوصول الإنساني، وهي منظمة إنسانية كبيرة في اليمن، تقوم بإنقاذ الناس في حالات الطوارئ، وتعمل على تعزيز وصول الناس إلى المساعدات الغذائية والخدمات لمنع المزيد من التدهور في انعدام الأمن الغذائي.
وتحرص الوصول الإنساني، على تقديم المساعدات الطارئة والمنقذة للأرواح للأشخاص الأكثر ضعفا، بما في ذلك النساء، والنازحون والمهمشون، والمجتمعات المضيفة المجهدة.
وتعتبر محافظتي تعز ولحج، من المحافظات اليمنية المعرضة للخطر، وقد نفذت الوصول الإنساني، مشروع الغذاء GFA، بتمويل من برنامج الأغذية العالمي WFP، في 12 مديرية، خلال الفترة من يناير وحتى أغسطس 2022. وذلك بهدف تعزيز الأمن الغذائي من خلال تلبية الاحتياجات الفورية للاستهلاك الغذائي لكل من الأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي الشديد، والنازحين في المجتمعات المستهدفة.
واستهدف المشروع، مديرية صالة في محافظة تعز، واستفادت 6975 أسرة في هذه المديرية من المواد الغذائية الموزعة. وأما في محافظة لحج، فقد استفادت 53091 أسرة من المساعدات النقدية، في 11 مديرية. وهي مديريات "الحد، المضاربة والعاره، المفلحي، المقاطرة، القبيطة، حبيل جبر، حالمين، طور الباحة، يافع، يهر، الملاح". كما استفادت 5613 أسرة في مديرية القبيطة، من قسائم المواد الغذائية، خلال فترة المشروع.
وفي تصريح خاص، قال الدكتور عبدالواسع الواسعي، أمين عام الوصول الإنساني، إن مشروع الغذاء GFA، ساهم في تلبية الاحتياجات الغذائية العاجلة للفئات الأشد ضعفا واحتياجا في المناطق المستهدفة، وعزز القدرة على الصمود، والتغلب على صعوبات وتحديات الغذاء وأسعاره المرتفعة، لا سيما في الوقت الحالي.
وأضاف الدكتور الواسعي، أن دعم برنامج الأغذية العالمي لليمن أساسي، وله تأثير بالغ ومهم في جعل حياة الناس أفضل، ويأتي في وقت تشتد الحاجة إليه، مؤكدا أن توفير الغذاء أولوية بالنسبة لملايين اليمنيين، في ظل الصراع الدائر منذ سنوات.
بدوره، يؤكد مدير عام الوصول الإنساني الأستاذ رياض محمد، أن مشروع الغذاء GFA، مثل شريان حياة للأسر المستفيدة، وساعدت المساعدات المقدمة على تفادي وقوع المجاعة في المديريات المستهدفة، ولها تأثير إيجابي على الوضع الغذائي في اليمن.
وأوضح الأستاذ رياض، في تصريح خاص، أن الوصول الإنساني، تضع الخطط الإستراتيجية، وتبذل ما فيه الكفاية من الجهود، للمساهمة في عدم تفاقم الأوضاع الغذائية والإنسانية في اليمن، وفق مشاريع غذائية مدروسة، لإدراكها بأهمية تأمين الغذاء للسكان.
تهاني.. من إجراءات يائسة للبقاء إلى عودة الأمل
"تهاني. م"، 39 عاما، توفي زوجها، وخلف لها 5 بنات، يسكن في بيت شعبي متهالك، في طور الباحة بمحافظة لحج، وليس لهن مصدر دخل، ووالدتهن ليست عاملة، ولا مؤهلة للعمل أيضا، في ظل واقع شحيح.
لجأت الأرملة تهاني، إلى إجراءات يمكن وصفها باليائسة، للبقاء مع بناتها على قيد الحياة، بعد فقدان عائل الأسرة الوحيدة، حيث لم تتمكن البنات من مواصلة تعليمهن، تجنبا لتكاليف الدراسة، وقلصن وجباتهن الغذائية.
ولأن الأسرة من الفئات الأكثر ضعفا، فقد كان لها نصيب من مشروع الغذاء GFA، الذي نفذته الوصول الإنساني، بتمويل من برنامج الأغذية العالمي WFP، وحصلت الأسرة على مساعدات غذائية ونقدية، وتمكنت البنات من العودة إلى المدرسة، وتحسن وضع الأسرة معيشيا واقتصاديا بشكل كبير.
تصف تهاني، حالتها قبل الوصول الإنساني، بالقول إنها كانت تعاني الصعاب، من أجل توفير الغذاء والدواء والملابس لها ولبناتها. وتقول اليوم إنها سعيدة جدا بحصولها على هذه المساعدات الإنسانية، التي مكنتها من توفير بعض احتياجاتها، وأملها أن يستمر هذا الدعم ويتضاعف، وتمكينهن اقتصاديا في ظل غلاء الأسعار المتواصل.