ما زال الصراع مستمرا في اليمن، في حين تكثر الأزمات الإنسانية المختلفة الناجمة عنه، وحياة الملايين من الأشخاص الضعفاء معرضة للخطر، بسبب عواقب الصراع الذي دخل عامه التاسع منذ تصعيده في عام 2015، وقد خلف أضرارا فادحة فاقت قدرة الناس على الصمود، وعطلت منظومات الدعم الاجتماعي الأمر الذي أثر سلبا على الخدمات الأساسية.
وينعكس الوضع الإنساني الحرج في ارتفاع مؤشرات المعاناة، وبحسب تحليل الاحتياجات الإنسانية في اليمن لعام 2023، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، فإن أكثر من 80% من سكان البلاد، الذين يقدر عددهم بنحو 32.6 مليونا، يكافحون للحصول على الغذاء ومياه الشرب المأمونة وخدمات الصحة الأولية، في جميع المحافظات البالغ عددها 22 محافظة.
وأكد التقرير أن نحو 21.6 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانية وخدمات الحماية، وأن حوالي 17.3 مليون شخص بحاجة إلى الأمن الغذائي، وتعد معدلات سوء التغذية بين النساء والأطفال من بين أعلى المعدلات في العالم، وهناك 20.2 مليون شخص يحتاجون إلى الدعم للوصول إلى الخدمات الصحية الحيوية، في ظل نظام صحي هش، حيث أن 46% من جميع المرافق الصحية تعمل جزئيا أو خارج الخدمة تماما، بينما صارت وفيات الأمهات في اليمن هي الأعلى في المنطقة العربية.
وهناك نحو 15.3 مليون شخص يحتاجون إلى الدعم للحصول على المياه النظيفة وتلبية احتياجات الصرف الصحي الأساسية، وفي الوقت نفسه، يواجه اليمن أزمة تعليمية حادة، ستؤدي إلى عواقب وخيمة على الأطفال والأجيال على المدى الطويل، فعدد الطلاب المحتاجين لمساعدات تعليمية أكثر من 8 ملايين طفل، ما يساوي 80% من الأطفال في سن التعليم المبكر، وأكثر من 2.7 مليون طفل تسربوا من التعليم بسبب الصراع.
نقص حاد في التمويل الإنساني
وتتركز بعض أعلى مستويات الضعف في مواقع استضافة النازحين نتيجة انعدام الخدمات، فما يقدر بنحو 4.5 مليون شخص نازحين حاليا، معظمهم من النساء والأطفال، تستوعب محافظة مأرب جزءا كبيرا منهم، وهو ما يبقي اليمن من بين أكبر 6 مناطق وبلدات نزوح داخلي في العالم، ومعظم هؤلاء النازحين قد نزحوا مرات عديدة على مدى سنوات، ويعيش العديد منهم في مناطق معرضة للفيضانات، أو في ملاجئ غير كافية.
ويأتي ذلك في ظل بيئة عمل إنساني مقيدة بشدة، وتزامنا مع نقص حاد في التمويل الإنساني، فخطة الاستجابة الإنسانية لليمن لم تتلق سوى 1.34 مليار دولار من أصل 4.34 مليار مطلوبة، بحسب إفادة مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إديم وسورنو، خلال جلسة لمجلس الأمن، في منتصف أغسطس/آب 2023.
وترجح البيانات الأممية والدولية أن تظل الاحتياجات الإنسانية ثابتة في اليمن حتى نهاية العام الحالي، وأن قدرة السكان الضعفاء على الصمود ستنخفض، نتيجة الانهيار المستمر للخدمات الأساسية، وعدم استقرار الاقتصاد الكلي، وانخفاض قيمة الريال اليمني، إلى جانب مجموعة من العوامل المركبة ذات الآثار المدمرة.
ومؤخرا، توقعت "شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة"، أن تكون نسبة السكان في اليمن الذين سيحتاجون لمساعدات غذائية عاجلة ما بين 50 و55%، وذلك في شهر فبراير/شباط 2024، أي أكثر من 17 مليونا، وأشارت الشبكة، في تقرير حديث صادر عنها، إلى أن أزمة انعدام الأمن الغذائي الحاد في اليمن تجعله يتصدر قائمة 22 بلدا حول العالم، تعاني من الأزمات الغذائية.
توسيع نطاق التدخل الإنساني
وهذا كله يدفع الوصول الإنساني، إلى تكثيف وتوسيع نطاق استجابتها الإنسانية، والمتاحة بدعم من الجهات المانحة والشركاء، في أهم المجالات الحيوية كالصحة والتغذية، والتعليم، والحماية، وسبل العيش، والمياه والإصحاح البيئي، مع التركيز بشكل خاص على الفئات الضعيفة مثل النازحين داخليا، والنساء، والأطفال والمهاجرين، والأشخاص ذوي الإعاقة، والأيتام.
ولهذه الاستجابة الإنسانية التي تنفذها الوصول الإنساني بمعايير إنسانية دولية، دور أساسي في إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة في هذه الأوقات الصعبة، وفي ظل تراجع اقتصادي سريع ومثير للقلق، وغياب فرص العمل، وقد مكنت هذه التدخلات الأسر اليمنية المستفيدة من مواصلة حياتها في جميع أنحاء البلد، الذي ما يزال يشكل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
النازحة (أ . ل) البالغة من العمر 35 عاما، هي أم لطفلتين، تروي جزءا من قصة نزوحها، وتصف استفادتها من إحدى المساحات الآمنة للنساء والفتيات، التي تديرها الوصول الإنساني في محافظة مأرب، بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA، ضمن مشروع الحماية ودعم سبل العيش، قائلة: "شعرت بالكرامة، وضعي مختلف الآن عن ذي قبل، استعدت ثقتي بنفسي، وأصبحت قادرة على إكمال حياتي".
وفي تصريح صحفي، أكد الأستاذ يحيى حسن الدباء، رئيس الوصول الإنساني، أن السياق الإنساني المتدهور في اليمن يدفع الناس وبشكل متزايد إلى ضرورة المواجهة السلبية، وقال إن الجمعية لطالما كانت حاضرة لتوفير ما أمكن من المساعدات المطلوبة، طوال الأعوام الثمانية الماضية وما قبلها، وستظل تعمل باستمرار على معالجة الأزمة الإنسانية المستمرة، وتوفير المساعدات المنقذة لحياة الأشخاص الأكثر ضعفا، مضيفا: "ومن الأهمية بمكان منح المتضررين من النزاع بعض الأمل في مستقبل مشرق".