"الدنيا كلها لا تستطيع أن تعوضني عن فقدان أبي".. بهذه الكلمات يلخص الطفل أيمن – 12 عاما – مأساة اليتم، وهو الطفل الذي فقد والده قبل أشهر في محافظة تعز، بسبب وباء الكوليرا المنتشر في اليمن، ليواجه وأسرته قدرا قاسيا.
الطفل أيمن، واحد من ملايين الأطفال الذين أصبحوا أيتاما في اليمن، وبات التفكير بالمستقبل يؤرقهم كثيرا في ظل أزمات معتمة، وفي بلد يعد أحد أخطر المناطق في العالم بالنسبة للأطفال، بحسب تقارير أممية.
فالأزمة اليمنية انعكست بشكل كبير على الأيتام، وتدفعهم نحو مسارات خطيرة، ولا يتوفر إحصاء دقيق عن عددهم بسبب الصراع المستمر، وهناك إحصاءات غير رسمية، تقدر عددهم بمليون ومائة ألف يتيم، وهو عدد كبير، في بلد عدد سكانه نحو 39 مليون نسمة، ومن المرجح أن يكون الرقم الفعلي أعلى بكثير.
مسيرة الدعم الإنساني للأيتام
تداعيات اجتماعية ونفسية واقتصادية خطيرة تترتب على اليتم، ومن الأهمية بمكان العمل على تلبية احتياجاتهم ليتمكنوا من العيش بكرامة، أسوة بالأطفال الذين يعيشون في كنف عائلاتهم، وتعويضهم بعض ما فقدوه جراء فقدان المعيل.
وإدراكا للحاجة الملحة لتوفير الرعاية الكاملة للأيتام وحمايتهم، أنشأت الوصول الإنساني، منذ تأسيسها عام 1990، قطاعا خاصا لكفالة ورعاية الأيتام، لترسيخ مسيرة الدعم الإنساني للأيتام، وتوفير البيئة النفسية والاجتماعية والصحية اللازمة لهم، ليكونوا أفردا إيجابيين في المجتمع اليمني.
وينطلق قطاع كفالة ورعاية الأيتام، من أهداف مركزة وبالغة الأثر في خدمة الأيتام، منها تقديم المساعدات النقدية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وتقديم الكفالات التعليمية، لتمكينهم من الالتحاق بالتعليم، وتخصيص أنشطة وبرامج مختلفة تسهم في الاهتمام بهم صحيا وتربويا وترفيهيا واجتماعيا.
وكذا ترسيخ مفهوم التكافل، وإكساب الأيتام المهارات الحياتية والاجتماعية وتعزيز ثقتهم بالذات، بالإضافة إلى تدريب ودعم وتمكين الأسر المعيلة للأيتام اقتصاديا، وتوفير المستلزمات والإمكانيات التي تمكنهم من البدء في تشغيل مشاريعهم الخاصة، وإحداث تحول اقتصادي في حياتهم.
80 ألف يتيما ويتيمة مستفيدا
منذ إنشائه، نجح قطاع كفالة ورعاية الأيتام، في كفالة 80 ألف يتيم ويتيمة، في جميع أنحاء اليمن، منهم 26000 يتيما ويتيمة مكفولون حاليا بدعم من المانحين ورجال الخير.
وهذا يجسد دور الوصول الإنساني الكبير في رعاية الأيتام وتوفير احتياجاتهم لضمان نشأتهم في بيئة سليمة، والإسهام في إعدادهم للمستقبل بأفضل صورة.
وفي تصريح خاص، قال الأستاذ رياض محمد المدير التنفيذي للوصول الإنساني، إن رعاية الأيتام ليست مجرد واجب إنساني، "بل أمانة نتحملها بكل فخر ومسؤولية، فهم شريحة مهمة في المجتمع، ونسعى دائما لأن نكون مصدر أمل ودعم حقيقي لهم".
وأكد رياض، أن عمل قطاع كفالة ورعاية الأيتام هو إسهام جوهري في دعم ومساندة هذه الفئة، مضيفا: "ونحن ممتنون للداعمين لهذا القطاع الهام، والذي ما يزال بحاجة للدعم لتقديم المزيد من الرعاية للأيتام، وتوفير السبل اللازمة لحمايتهم".
مأساة إنسانية وشريان حياة
عام 2020، اضطرت فاطمة علي – 26 عاما – للنزوح مع زوجها وطفليها، من محافظة صنعاء إلى مدينة مأرب، بحثا عن سبل العيش والدخل، وللنزوح تبعات قاسية، في بلد فرص الحصول فيه على الخدمات الأساسية قليلة جدا.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد فجعت هذه المرأة برحيل زوجها المبكر والمفاجئ عام 2022، لتجد نفسها وحيدة أمام تحديات كبيرة في وطن تنهشه الحرب، حيث أصبح لزاما عليها أن تعيل طفليها "رامي، ريما" المصدومين برحيل والدهم.
ووصفت فاطمة، مأساتها بالقول: "تعرضت لصدمة كبيرة، عشت ظروفا صعبة للغاية، عجزت عن توفير أبسط المتطلبات، حياتي أصبحت جحيما، وكان همي الأكبر هو توفير طعام لأطفالي الصغار".
ووسط صحراء اليأس انفتح باب أمل، حين قامت الوصول الإنساني، بالشراكة مع الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، بتأهيل فاطمة، في مجال الخياطة، ثم منحها ماكينة خياطة وتطريز مع مستلزماتها الأساسية، للانطلاق في سوق العمل وكسب الرزق.
وبهذا التمكين الاقتصادي نجحت فاطمة، في تخطي الكارثة التي حلت بها، حيث صارت تعمل في مجال الخياطة، وتستقطب الكثير من العملاء لجودة أدائها، ولم تعد بانتظار المساعدات الإنسانية لتوفير قوت أطفالها.
وها هي فاطمة، تصف حالها اليوم بالقول: "أشعر الآن بالأمان، أصبحت قادرة على تلبية متطلبات أطفالي وتعليمهم، لن أنسى وقوفكم إلى جانبي، فقد أنقذتم حياتي وحياة أبنائي"، ومثل أسرة فاطمة، استفادت الآلاف من الأسر المعيلة للأيتام.
مظلة اجتماعية واسعة
خلال عام 2024، استفاد 67618 يتيما ويتيمة في مختلف مناطق اليمن، من تدخلات قطاع كفالة ورعاية الأيتام، عبر 14 مشروعا إنسانيا في مجالات متعددة، منها الكفالات النقدية والتعليمية والبرامج التربوية.
وكذا الحقيبة المدرسية والزي المدرسي، والأنشطة الثقافية والترفيهية، والسلال الغذائية، وكسوة العيد، وكسوة الشتاء، بالإضافة إلى مشاريع اقتصادية مدرة للدخل، لتحسين أوضاعهم المعيشية، والدعم الصحي المتعدد، وتفاصيل أخرى.
وما يزيد عن 220 طالبا وطالبة استفادوا من مشروع كفالة الطلاب الجامعيين، فيما تجاوزت المشاريع الإنتاجية المدرة للدخل المقدمة للأسر المعيلة الأيتام 1100 مشروع متنوع، بعد إشراكهم في دورات تدريبية لاحتراف المهنة وإدارة المشاريع الصغيرة، لتوفير سبل العيش الكريم لهم.
وبدون هذه التدخلات الإنسانية الحيوية لكان وضع هؤلاء الأيتام المستفيدين أسوأ بكثير، ومعاناتهم لن تتوقف عند فقدان الأب، وربما تمتد طوال الحياة، في ظل أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وارتفاع نسب البطالة والفقر في اليمن.
وهو ما يؤكد ريادة قطاع كفالة ورعاية الأيتام، التابع للوصول الإنساني، كمظلة اجتماعية هامة تعمل وفق خطط مدروسة وهادفة لتخفيف معاناة الأيتام، وصون حقوقهم، وإدخال الفرحة على قلوبهم وقلوب أسرهم، وإشعارهم بالتعاون والتضامن المجتمعي.