الحرب التي دخلت عامها الثامن، ألحقت باقتصاد اليمن انكماشا يناهز 50%، وخسائر فادحة تصل إلى نحو 126 مليار دولار، وأدت إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 35%، وامتداد الفقر إلى حوالي 78% من السكان، البالغ عددهم 30 مليون نسمة، بحسب دراسة حديثة أعدها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة.
ولا زال اليمن الذي يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفق الأمم المتحدة، يواجه ضغوطا وصعوبات اقتصادية لم يسبق لها مثيل، نتيجة اتساع دائرة الصراع، الذي أضر كثيرا بقطاعات التنمية في البلاد.
مما أدى إلى تأثر معيشة المواطنين، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، وترك في جميع المحافظات اليمنية فجوة في كيفية قدرة الناس على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
فأكثر من 24 مليون شخص يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية والحماية، ومن المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذي يعانون من انعدام الأمن الغذائي إلى 19 مليون شخص بحلول ديسمبر 2022.
التمكين الاقتصادي.. ركيزة أساسية للوصول الإنساني
أصبح سوق العمل وقطاعات التشغيل تعاني من ضعف وهشاشة، وفقد معظم عمال اليمن أعمالهم ورواتبهم، ويكابدون ظروفا معيشية صعبة وقاسية، ومن الأهمية بمكان في ظرف كهذا وضع برامج هادفة لامتصاص جزء من البطالة المتراكمة، وتوفير فرص عمل جديدة بما من شأنه إعادة الأمل لشريحة واسعة من المتضررين، جراء الصراع.
فهناك مئات الآلاف من الأسر اليمنية بدون عائل ومصدر دخل مع تضييق فرص وسبل العيش بشكل كبير، وسط دوامة اجتماعية واقتصادية متدهورة، بينما ارتفعت الاحتياجات الإنسانية إلى مستويات الذروة، وهو بمثابة إنذار خطير للمجتمع الإنساني، في بلد تعرض إلى خسائر ضخمة في التنمية الشاملة.
ومن هنا تأتي أهمية توسيع الفرص الاقتصادية أمام الفئات الضعيفة، كأمر مهم وعامل حاسم في تمكينها، بما يحقق لها حد الكفاية، ويخرجها من دائرة الحاجة والاعتماد على الغير إلى دائرة الاعتماد على النفس، وهو أمر بالغ الأهمية لقدرة المجتمعات الضعيفة على الصمود.
وتزداد الأهمية في اليمن، حيث يعيش الفقراء ومحدودو الدخل أوضاعا صعبة، ويعتمد نحو 80% من سكان البلد، على المساعدات من أجل البقاء على قيد الحياة، وانضمام أعداد كبيرة من القوى العاملة لرصيف البطالة، وما يرافق ذلك من أعباء اجتماعية واقتصادية سيئة.
ولهذا يعد التمكين الاقتصادي، إحدى الركائز الأساسية للوصول الإنساني، التي تنفذ جهودها بشأن ذلك، عبر مشاريع هادفة ومتنوعة، تمنح الفرص أمام الفئات الضعيفة، لإقامة مشاريعها وأعمالها الخاصة.
وذلك بدعم وشراكة عدد من المانحين والمنظمات، وبما يتماشى مع خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وقد استطاعت الوصول الإنساني، من خلال هذه المشاريع، الحيلولة دون وقوع عشرات الآلاف من اليمنيين في براثن الجوع الشديد، خصوصا بعد أن أثرت التحديات التي يواجهها سوق العمل على الأغلبية من الناس، لا سيما الفئات الضعيفة، ومنهم الأيتام والنازحون والنساء.
ولا تزال الوصول الإنساني، مستمرة في أداء مهمتها، بدون كلل، رغم البيئة الصعبة للغاية التي تعمل فيها، من أجل بقاء وعافية وكرامة الأشخاص المتضررين من الأزمات، ومن أجل إنقاذ الأرواح والتخفيف من المعاناة.
مشاريع التمكين الاقتصادي.. متنفس لشريحة من السكان
تسببت الحرب في فقدان الأعمال وانخفاض فرص التوظيف، وتعطيل الأسواق والمؤسسات، وتدمير البنية التحتية الاقتصادية، في اليمن، الأمر الذي فاقم من أزمة البطالة الحالية إلى مستويات قياسية، وتسبب بصدمات حادة في المجتمع اليمني.
ويؤكد البنك الدولي، في أحدث تقاريره عن اليمن، أن الصراع المستمر دمر سبل كسب العيش، في بلد كان حتى قبل الأزمة الجارية ضمن البلدان الأشد فقرا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وللحد من الانهيار وتوسع نسب البطالة الفقر، يرى خبراء الاقتصاد، أهمية تمكين المتضررين اقتصاديا، وإتاحة الفرص أمامهم التي تساعدهم على التكيف مع الظروف الاقتصادية والمعيشية القاسية، باعتبار أن مشاريع التمكين الاقتصادي أحد أهم الوسائل التي يعول عليها في الحد من البطالة والتخفيف من الفقر وخلق مجتمع منتج.
والتمكين الاقتصادي هو إكساب الأفراد المعارف والقيم والمهارات التي تؤهلهم للعمل، مع السعي لتوفير فرص التمويل والتسويق اللازمة لممارسة أعمالهم، كي يتمكنوا من الخروج من دائرة العالة على المجتمع إلى دائرة المساهمة في التنمية.
وتساهم مشاريع التمكين الاقتصادي في تطوير بيئة العمل، ومتنفسا مهما لشريحة مهمة من السكان، تساعدها على مواصلة الصمود في ظل ظروف صعبة وحرجة، ومعها تصبح إمكانية النمو الاقتصادي أكثر وضوحا.
وفي خضم هذا الصراع، تحتاج الفئات الضعيفة إلى نهج اقتصادي لاستكمال المساعدة الإنسانية، وخلق فرص عمل، وتوليد مداخيل، حتى تتمكن كثير من الأسر اليمنية، من شراء طعامها، والبقاء على قيد الحياة.
ومن شأن تطوير قدرات الفئات الضعيفة، بمنظور يركز على سبل العيش، أن يؤدي إلى زيادة قدرة السكان المتأثرين على التكيف في وجه الصدمات، وأثبتت التجارب أن بناء قدرات السكان على الاعتماد على أنفسهم، يعزز استدامة عملية التنمية.
جهود هامة وتفاني في إيثار الغير تستحق الاحتفاء
يشدد خبراء الاقتصاد، على أهمية دعم وتشجيع وتحفيز مشاريع التمكين الاقتصادي، وإيجاد بيئة مناسبة لإنجاحها لما لها من دور كبير في خدمة التنمية، ورفد الاقتصاد الوطني بموارد إضافية جديدة.
وهو ما عملت عليه الوصول الإنساني، من خلال مشاريع هامة، أتاحت أمام الفئات الأكثر ضعفا، موارد اقتصادية، وإدارة مشاريع إنتاجية مدرة للدخل، مكنتهم من الحصول على سبل العيش المستدامة.
وبهذه المشاريع، التي يقف خلفها طاقم محترف يستحق الاحتفاء به لتفاني في إيثار الغير، ساهمت الوصول الإنساني، في استيعاب عمالة وطنية، ولعبت دورت فاعلا في الحد من البطالة والفقر.
وكذا زيادة موارد الاقتصاد الوطني، وتحسين ظروف حياة الفئات الأكثر ضعفا، وتعزيز قدراتها، وتوفير فرص جديدة ومستدامة للناس، والمساهمة في الاعتماد على الذات، عبر أنشطة مدرة للدخل.
وفي تصريح خاص، قال الدكتور عبدالواسع الواسعي، أمين عام الوصول الإنساني، إن المنظمة عملت على تنفيذ مشاريع مدروسة تستجيب بصورة تلقائية للصدمات التي تواجه الفئات الأكثر ضعفا ودعم المشروعات المدرة الدخل بهدف توفير سبل العيش المستدامة.
وأكد الدكتور الواسعي، أن التمكين الاقتصادي مفتاح التعافي، مضيفا أن مشاريع التمكين الاقتصادي تمنح الفئات الضعيفة دفعة قوية، في ظل الظروف الصعبة والحرب، التي لم تتوقف منذ ثمان سنوات متواصلة، وبالتالي قطع الطريق أمام انتشار الفقر والبطالة.
وأوضح الدكتور الواسعي، أن الوصول الإنساني تعطي الأولوية للمساعدة بناء على دراسات وتقييمات الاحتياجات المستقلة والشاملة، بطريقة تعزز حقوق الإنسان الأساسية، وخالية من التدخل، وبما يتماشى مع المبادئ الإنسانية.
الوصول الإنساني.. جبهة أمامية في التمكين الاقتصادي
في اليمن، تقف الوصول الإنساني، في الجبهة الأمامية للاستجابة الإنسانية، وتكثف جهودها لإبعاد الفئات الأكثر ضعفا عن خطوط الفقر المدقع، وكانت ولا زالت وستظل الوصول الإنساني بارقة أمل للمحتاجين.
ومن خلال مشاريع كثيرة، نفذت الوصول الإنساني، سلسلة من التدخلات الإنسانية المتكاملة، لتعزيز التمكين الاقتصادي، في جميع أنحاء البلاد، وشمل ذلك مشاريع تربية المواشي وتربية النحل، وتوزيع قوارب صيد، ومكائن خياطة مع الطاقة الشمسية، ودرجات نارية، وعربات نقل.
وكذلك توفير أدوات ومواد صناعة البخور والعطور، ومحلات أدوات صيانة الموبايل، وأدوات صناعة الإكسسوارت والأشغال اليدوية، ومحلات الكوافير والتجميل، وأخرى، في عدة محافظات يمنية.
ومنها تنظيم دورات التدريب والتأهيل، والتي تساهم بقدر كبير في رفع معدل الكفاءات البشرية، لتتناسب مع متطلبات العمل الحديث، فضلا عن دورها الكبير في زيادة الإنتاجية بصورة كبيرة.
وخلال عام 2021، نفذت الوصول الإنساني، 10 مشاريع في التمكين ودعم سبل العيش، وتضمنت 94 نشاطا، بدعم من منظمة جست هيومن، ومنظمة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان IHH. وقد استفاد من هذه المشاريع المنفذة 564 مستفيدا، في محافظات الأمانة والحديدة وإب وتعز وشبوة وحضرموت.
ولأن الحرب خلفت شريحة واسعة من الأيتام يعيشون في فقر مدقع، بعدما فقدوا المعيل، بالتزامن مع تدهور الوضع الاقتصادي، فلهذه الفئة نصيب مهم من تدخلات الوصول الإنساني، فخلال العام الجاري 2022، فقط، تم تنفيذ 170 مشروع تمكين اقتصادي لأسر الأيتام، بدعم عدد من المانحين والشركاء، وفي مجالات مختلفة.
وفي تصريح خاص، أكد مدير عام الوصول الإنساني الأستاذ رياض محمد، أن المنظمة تسخر جزء كبيرا من تدخلاتها للتمكين الاقتصادي لدعم الاقتصاد اليمني ومشاريع التنمية ومكافحة الفقر، وتوفير فرص عمل لعشرات الآلاف من أبناء الفئات الأكثر ضعفا.
ويؤكد الأستاذ رياض، أن الحاجة لمشاريع التمكين الاقتصادي تشتد للسكان المتضررين من الأزمة، والتي تشكل رافدا مهما للأسر اليمنية التي فقد كثير منها مصادر دخلها، خلال أكثر من سبع سنوات من الصراع والانهيار الاقتصادي.
وأشار الأستاذ رياض، إلى الأزمات المتوالية والمستمرة في التأثير سلبا على سبل العيش، وزيادة الضغط على الفئات الضعيفة، تحديدا، مؤكدا أن الناس يحتاجون إلى حلول مستدامة لتحسين سبل عيشهم، كون الاعتماد على المعونات ليس مستداما.
مشاريع الوصول الإنساني.. نافذة أمل لفئات ضعيفة
في الوقت الذي وسعت فيها الحرب رقعة الفقر والبطالة في اليمن، كانت منظمة الوصول الإنساني، أمل يستند إليها الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع، لتوفير لقمة العيش التي باتت بعيدة عن متناول الكثيرين.
ومن هؤلاء عائلة عبدالله محمد، في محافظة تعز، التي فقدت عائلها في عام 2010، بفعل رصاصة طائشة اخترقت جسده، وأودت بحياته، مخلفا وراءه أسرة كبيرة، اسودت الحياة في وجهها.
لم تستلم عائلة عبدالله محمد، حيث باعت زوجته الأرملة بعض ممتلكاتها، ومنحت المبلغ ابنها "أسامة" ليقيم به مشروعا صغيرا، يتمثل في متجر صغير "بقالة"، في أحد أحياء المدينة، ومن خلال هذا المشروع الذي افتتحه في عام 2012، تمكنت الأسرة من تلبية متطلباتها الأساسية بحدودها الدنيا.
ورغم ذلك لم يدم هذا المشروع طويلا، فسرعان ما جاءت الحرب، بكل بشاعتها وأهوالها، لتطردهم من الحي السكني الذي يقطنون فيه، "المطار القديم"، والذي أصبح خط نار، لتجد الأسرة نفسها مجددا أمام مأزق كبير.
لكن الصباح لم يتأخر، وقد دخل ضوءه من نافذة الوصول الإنساني، التي تقدمت إليها الأسرة بطلب دعم لمشروع يكسبون من خلاله لقمة عيشهم، مستندين في خبرتهم السابقة في عمل متجر صغير "بقالة"، وقامت الوصول الإنساني بدورها بعرض دراسة المشروع على جهات إغاثية وإنسانية، في عام 2020.
وسرعان ما استجابت بيت الزكاة الكويتي، بدعم وتمويل هذا المشروع، ومن خلال هذا المشروع الصغير والذي له أثر كبير، تمكنت عائلة عبدالله محمد، من استعادة أنفاسها، وتدريس أبنائها، والعيش بكرامة.
وهي اليوم تنظر إلى الأمام بتوسعة المشروع إلى "سوبر ماركت"، بعد أن تحسن رأس مالها ، كما يفيد ابنها أسامة، والذي يؤكد أن أسرتهم اليوم بوضع اقتصادي أفضل، وهي ممتنة جدا لبيت الزكاة الكويتي والوصول الإنساني.
وبفضل مشروع تحسين سبل العيش للأسر الفقيرة للعام 2021، الذي نفذته الوصول الإنساني، في محافظة حضرموت، وبتمويل من منظمة جست هيومن، حصلت "أم أحمد"، على مشروع يدر لها دخلا مستمرا بعد أن عاشت حياة مليئة بالتعب والمشقة.
و"أم أحمد"، امرأة عمرها 45 عاما، وقد توفي زوجها، وترك لها 4 أطفال (ولدين وبنتين)، ولم يكن أمامها سوى بيع وجبات خفيفة، بجوار إحدى المدارس، كي تتمكن من إطعام أطفالها، في ظل انهيار اقتصادي متواصل تشهده البلاد.
ومع تدهور العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، نتيجة الحرب الدائرة في اليمن، لم يعد العمل مجديا بالنسبة لأم أحمد، التي ظلت تبحث عن نافذة جديدة للعمل للوفاء بالتزاماتها تجاه فلذات كبدها، لكن الأفق كله مسدود، إلا أفق الوصول الإنساني، كان مفتوحا، وقد زودها بماكينة خياطة، مع مستلزماتها.
ومن خلال هذا التدخل الإنساني الهادف، انطلقت أم أحمد، من مديرية "تريم"، وانطلق معها الأمل، ليجوب آفاق مصادر الدخل المستدامة، وتقول أم أحمد، إنها لن تنسى عطاء منظمة جست هيومن، ما بقيت على قيد الحياة، وقصة نجاحها تؤكد أن الوصول الإنساني حياة وأمل ومستقبل.